
-
- Author, سلمى خطاب
- Role, صحفية – بي بي سي عربي
تغيرت حياة أميرة بالكامل منذ خضوعها لجراحة قيصرية لولادة طفلها الأول قبل ست سنوات، وصفتها لاحقاً بأنها كانت غير ضرورية.
تقول أميرة إنها رغبت في الولادة الطبيعية، لكنها تعرضت للتخويف، ولم تجد الدعم الطبي الكافي لاتخاذ هذا القرار، فاتجهت إلى الولادة عبر الجراحة القيصرية، دون أن تلقى توعية كافية بمضاعفاتها الصحية عليها وعلى أطفالها.
أميرة واحدة من نحو 72 بالمئة من النساء المصريات اللاتي وضعن أطفالهن عبر الجراحة القيصرية، حيث تسجل مصر واحدة من أعلى النسب عالمياً في الولادات القيصرية، وفقاً للمسح الصحي للأسرة المصرية الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في عام 2021، وهو أحدث رقم رسمي متاح عن نسب الولادات القيصرية في مصر.
“كل ما قيل لي عن الولادة القيصرية كذب”
في حديثها مع بي بي سي، تقول أميرة إنها شعرت بالتضليل، “قالوا لي إن الولادة القيصرية سهلة، سأنام وأفيق أجد طفلي بجانبي، كل ذلك كذب، أنا فقدت صحتي بسبب هذه الجراحة”.
كانت أميرة تبلغ من العمر 22 عاماً حين حملت بطفلها الأول، تقول إنها لم تكن واعية بما يكفي لما هي مقدمة عليه: “كان أهلي يدعمون قراري بالولادة الطبيعية، وبحثت عن طبيب داعم للولادة الطبيعية، لكن كثيراً ما كان يتم تخويفي في المستشفى، كان الممرضون يقولون لي طفلك سيولد ميت، لماذا تعذبين نفسك وأنت في النهاية ستخضعين للجراحة القيصرية، وتعانين من آلام ومصاعب الجراحتين، كنت صغيرة وكان هذا الكلام يخفيني”.
تقول أميرة إنها تعرضت لمضاعفات صحية جراء الجراحة القيصرية الأولى، أثرت على ظهرها وحركتها، وظلت تخضع لعلاج طبيعي لمدة عام، كما ولُد طفلها بمشاكل في التنفس، وفي حملها الثاني، فشلت مساعيها في الولادة الطبيعية بسبب جرح القيصرية الأولى، وفي الجراحة الثانية عانت من مضاعفات جعلتها غير قادرة على الحركة لمدة شهرين، وأصيبت بالتهاب الكبد الوبائي ب.
“إذا عاد بي الزمن لن اتخذ هذا القرار الذي أضر بصحتي وصحة أطفالي، حتى الآن أتعايش مع المضاعفات الصحية الناتجة عن هذه الجراحة”، تقول أميرة.
ضغوط طبية ومجتمعية
ما إن بدأنا البحث عن نساء تعرضن لمضاعفات صحية للولادة القيصرية غير الضرورية، حتى تلقينا عدداً هائلاً من الرسائل والتعليقات، لسيدات قلن إنهن إما تعرضن لضغوط طبية ومجتمعية للقبول بالولادة القيصرية، أو تم تخويفهن من الولادة الطبيعية ومضاعفاتها، دون التوعية الكافية بمخاطر ومضاعفات الولادة القيصرية.
تحكي لنا سارة عن تجربتها مع الولادة القيصرية، حيث تقول إنها كانت في مسار الولادة الطبيعية، لكن بعد نحو 5 ساعات وجدت طبيبها يقول إن “الولادة بطيئة ويجب أن نحول للولادة القيصرية”. تقول إنها طلبت منه الانتظار، لكنه بدأ في تخويفها من أن جنينها سيتأثر إذا لم توافق على الولادة القيصرية.
تضيف سارة “كنا في شهر رمضان، يفصلنا عن العيد أيام قليلة، شعرت أنه يريد ولادة طبيعية سريعة، وحين تأخرت الولادة أراد إنهاءها عبر القيصرية”.
لم تعاني سارة من مضاعفات إثر الجراحة الأولى، لكن في محاولتها للولادة الطبيعية في حملها الثاني، تعرضت لانفجار في الرحم، حيث تزيد نسب تعرض النساء لمضاعفات صحية في الولادة القيصرية الثانية، أو الولادة الطبيعية بعد القيصرية الأولى.
أما ياسمين، (اسم مستعار) فتقول إن فكرة الولادة الطبيعة لم تكن مطروحة حين علمت بحملها الأول، حيث وضع كل أخوتها وأقاربها أطفالهن عن طريق الجراحة القيصرية.
وتواصل: “كانت فكرتي عن الولادة الطبيعية أنها تسبب آلاماً لا تحتمل، وتشوه جسم المرأة، لكن ما عانيته من الولادة القيصرية كان أشد بكثير، أصبت بعدة جلطات بعد الولادة مباشرة وتلوث الجرح وظل مفتوحاً لأسابيع لا يلتئم، بقيت لأكثر من عام أتعافى من آثار هذه الجراحة”.
نسب مقلقة وحملات للتوعية
بحسب الأرقام الرسمية، فإن 81 بالمئة من حالات الولادة التي تتم في المستشفيات الخاصة في مصر هي ولادات قيصرية، المستشفيات العامة ليست أفضل حالاً، حيث تبلغ النسب فيها 63 بالمئة.
أرقام وإن تراجعت نسبياً في السنوات الأخيرة، فإنها تبقي مقلقة، بحسب وزارة الصحة المصرية، وأضعاف المعدل العالمي المحدد بـ 10-15بالمئة من الولادات بحسب منظمة الصحة العالمية.
وفي محاولة لضبط الوضع، أصدرت السلطات المصرية مؤخراً ضوابط جديدة تلزم بها المستشفيات الخاصة بتقليل أعداد الولادات القيصرية غير المبررة طبياً، تشمل تقديم إحصاءات شهرية، وتحليل علمي لأسباب الولادات القيصرية.
ومن المقرر أن يبدأ تطبيق هذه الإجراءات مع نهاية الشهر سبتمبر/ أيلول الجاري، كما أطلقت وزارة الصحة حملات للتوعية بمخاطر الولادات القيصرية، والتوعية بالولادة الطبيعية، وبرنامجاً لتدريب القابلات، لتتم الولادة الطبيعية على أيدي قابلات مدربات.
صدر الصورة، Getty Images
“كارثة صحية”
في تصريحات إعلامية ضمن حملة الوزارة، تقول نائبة وزير الصحة رئيسة المجلس القومي للسكان الدكتورة عبلة الألفي إنه نتيجة للاضطراب في النظام الصحي في مصر، وعدم وجود قابلات وأطباء للبقاء بجانب حالات الولادة الطبيعية، أقبل الناس على الولادة القيصرية كحل سهل، وبدأت المعدلات في الزيادة.
وتصف الألفي مضاعفات الولادة القيصرية في مصر ب”الكارثة الطبية التي يجب التغلب عيلها”، موضحة أن المضاعفات الناتجة عن الولادات القيصرية تتجاوز الأم وتصل إلى الطفل، حيث زادت نسب وفيات الأطفال حديثي الولادة من 14 إلى 18 بين كل ألف طفل، ونسب الأطفال الذين يحتاجون لدخول الحضّانات بعد الولادة، مرجعة ذلك إلى تزايد الولادات القيصرية.
وتوضح الألفي أن الإجراءات الجديدة تخاطب القطاع الخاص، لأن من 70بالمئة إلى 75بالمئة من عمليات الولادة في مصر تجري في المنشآت الصحية الخاصة، مقابل 25بالمئة فقط في المنشآت والمستشفيات العامة.
تحتوي هذه الصفحة على محتوى من موقع Facebook. موافقتكم مطلوبة قبل عرض أي مواد لأنها قد تتضمن ملفات ارتباط (كوكيز) وغيرها من الأدوات التقنية. قد تفضلون الاطلاع على سياسة ملفات الارتباط الخاصة بموقع Facebook وسياسة الخصوصية قبل الموافقة. لعرض المحتوى، اختر “موافقة وإكمال”
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية
نهاية Facebook مشاركة
مستشفيات غير مجهزة
من ضمن التحديات التي تواجه الولادة الطبيعية، نقص الأماكن المجهزة لها في المستشفيات، حيث تقول هند عبد السلام، وهي طبيبة أسرة ومدربة على الولادة الطبيعية، إن كل الدوائر المحيطة بالأم تدفعها نحو خيار الولادة القيصرية.
وتوضح عبد السلام في حديثها مع بي بي سي إن “المستشفيات غير مجهزة بأماكن للولادة الطبيعية، فهي تتم على سرير الجراحة، وهو مكان تصعب الولادة فيه لأنه غير مجهز لهذا الغرض، هو مجهز فقط لمريض تحت التخدير لا يتحرك، وليس لأم تحاول دفع طفلها”
وتؤكد عبد السلام على ضرورة تجهيز المستشفيات بأماكن مناسبة أكثر، وتساعد الأم على الولادة الطبيعية، وتقول: “الكثير من الأطباء حين يقابلهم تحدٍ بسيط في الولادة الطبيعية، يحولون المسار إلى الولادة القيصرية، فأصبح عندنا نقص شديد في الأطباء المدربين على الولادة الطبيعية، وهذا العجز يحتاج أن يكون مع الطبيب فريق مدرب على الولادة الطبيعية من ممرضات وقابلات، وهذا غير متوفر الآن”.
“منظومة لا تدعم الولادة الطبيعية”
على الجانب الآخر، ينفي العديد من الأطباء الادعاءات بالـ “التعجل أوالتفضيل أو التكسب” باتخاذهم قرارات الولادة القيصرية، ويشيرون إلى إن المنظومة الطبية الحالية لا تدعم الطبيب في اتخاذ قرار الولادة الطبيعية بشكل عام.
ويقول الدكتور خالد أمين وهو طبيب متخصص في النساء والتوليد وعضو مجلس نقابة الأطباء إن “الأزمة ليست بين طرفين فقط، السيدة والطبيب، الطرف الآخر هو منظومة كاملة لا تدعم الولادة الطبيعية، فالكثير من المستشفيات غير مجهزة طبياً للولادة الطبيعية مثل أجهزة متابعة نبض الجنين وانقباضات الرحم”
كما يلفت أمين إلى نقص في تدريب الأطباء على الولادة الطبيعية، ونقص في توفير القابلات المدربات على الولادة الطبيعية، ويقول: “إذا كان الطبيب من أشرس المدافعين عن الولادة القيصرية، لكنه يعمل وفق منظومة تجبره على العمل في مسار علمي، لن يتمكن من التوسع في الجراحات القيصرية”.
ويتابع الطبيب المتخصص في النساء والتوليد: “هناك ثقافة مجتمعية باتت تدعم الولادة القيصرية، وتنشر أفكاراً خاطئة عن الولادة الطبيعية، بعض النساء يرفضن قرار الطبيب بالولادة الطبيعية، ويبحثن عن طبيب آخر يولدهن عبر الجراحة القيصرية، وإذا أصر الطبيب على الولادة الطبيعية وحدثت أي مضاعفات يلاحقن الطبيب قضائيا”.
“ما نطالب به هو الولادة الآمنة، سواء كانت طبيعية أو قيصرية، وتجنيب الأم أي مضاعفات سواء كانت تكلفة مادية أو مضاعفات صحية”، يختتم أمين.